آخر التعليقات

الأحد، 5 يوليو 2015

لماذا اصطحبه ؟

لماذا اصطحبه ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيد الكائنات أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم و منكري فضائلهم ومقاماتهم الى قيام يوم الدين

قال تعالى في محكم كتابه

إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . صدق الله العلي العظيم

ننطلق من خلال هذه الآية المباركة من سؤال حول علة اصطحاب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله للأول في رحلته ودخوله في الغار , هل هذا الاصطحاب تكريما وتشريفا له أم أن المسألة غير ذلك ؟ 

فالنصوص الشريفة تشير الى عدم كون هذا الاصطحاب تكريما او تشريفا للأول ففي تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ج 2 ص 781 : ومن طريق العامة ما ذكره أبو هاشم بن الصباغ في كتاب ( النور والبرهان ) يرفعه إلى محمد بن إسحاق ، قال : قال حسان : قدمت مكة معتمرا وأناس من قريش يقذفون أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال ما هذا لفظه : فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليا ( عليه السلام ) فنام على فراشه ، وخشي من أبي بكر أن يدلهم عليه ، فأخذه معه إلى الغار . وفي نفس الصفحة في رواية طويله نقتطع منها موضع الشاهد : فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وركب الناقة وسار ، وتلقاه جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا رسول الله ، إن الله أمرني أن أصحبك في مسيرك وفي الغار الذي تدخله وأرجع معك إلى المدينة إلى أن تنيخ ناقتك بباب أبي أيوب الأنصاري . فسار ( صلى الله عليه وآله ) فتلقاه أبو بكر ، فقال له : يا رسول الله ، أصحبك ؟ فقال ويحك - يا أبا بكر - ما أريد أن يشعر بي أحد ، فقال : فأخشى - يا رسول الله - أن يستخلفني المشركون على لقائي إياك ، ولا أجد بدا من صدقهم .

فقال له ( عليه السلام ) : ويحك - يا أبا بكر - أو كنت فاعلا ذلك ؟ فقال : إي والله ، لئلا أقتل ، أو أحلف فأحنث .

فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ويحك - يا أبا بكر - فما صحبتك إياي بنافعتك . فقال له أبو بكر : ولكنك تستغشني وتخشى أن انذر بك المشركين . فقال له ( عليه السلام ) : سر إذا شئت . فتلقاه الغار ، فنزل عن ناقته العضباء وأبركها بباب الغار ، ودخل ومعه جبرئيل وأبو بكر .

فبما أن الاصطحاب لم يكن تشريفا ولا تكريما نستنتج ان خوف الأول لم يكن على الدعوة الاسلامية أو على حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وأما نزول السكينة فهو خاص برسول الله صلى الله عليه وآله كما تشير روايات أهل البيت عليهم السلام ففي نفس الجزء من البرهان ص 782 : عن ابن فضال ، عن الرضا ( عليه السلام ) : « فأنزل الله سكينته على رسوله وأيده بجنود لم تروها » . قلت : هكذا ؟ قال : « هكذا نقرؤها ، وهكذا تنزيلها » و أيضا : عن عبد الله بن محمد الحجال ، قال : كنت عند أبي الحسن الثاني ( عليه السلام ) ومعي الحسن بن الجهم ، فقال له الحسن : إنهم يحتجون علينا بقول الله تبارك وتعالى : * ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ) * . قال : « وما لهم في ذلك ، فو الله لقد قال الله : فأنزل الله سكينته على رسوله . وما ذكره فيها بخير » . قال : قلت له أنا : جعلت فداك ، وهكذا تقرؤنها ؟ قال : « هكذا قرأتها » , أيضا : قال زرارة : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَتَه عَلى رَسُولِه ) * ألا ترى أن السكينة إنما نزلت على رسوله * ( وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى ) * - فقال : - هو الكلام الذي تكلم به عتيق » . رواه الحلبي عنه ( عليه السلام ) وفي خبر في نفس الجزء ص 784 : فحزن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على علي ( عليه السلام ) وخديجة فقال جبرئيل ( عليه السلام ) : لا تحزن إن الله معنا . ثم كشف له فرأى عليا وخديجة ( عليهما السلام ) ورأى سفينة جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) ومن معه تعوم في البحر ، فأنزل الله سكينته على رسوله ، وهو الأمان مما خشيه على علي وخديجة ، فأنزل الله الآية * ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ) * يريد جبرئيل ( عليه السلام ) * ( إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِه لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّه مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَتَه عَلَيْه ) * الآية . ولو كان الذي حزن أبو بكر لكان أحق بالأمان من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لو لم يحزن . ثم إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لأبي بكر : يا أبا بكر ، إني أرى عليا وخديجة ، ومشركي قريش وخطابهم وسفينة جعفر بن أبي طالب ومن معه تعوم في البحر ، وأرى الرهط من الأنصار مجلبين في المدينة . فقال أبو بكر : وتراهم - يا رسول الله - في [ هذه الليلة ، وفي هذه الساعة ، وأنت في ] الغار وفي هذه الظلمة ، وما بينهم وبينك من بعد المدينة عن مكة ؟ ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إني أريك - يا أبا بكر - حتى تصدقن . ومسح يده على بصره ، فقال : انظر - يا أبا بكر - إلى مشركي قريش ، وإلى أخي على الفراش وخطابه لهم ، وخديجة في جانب الدار ، وانظر إلى سفينة جعفر تعوم في البحر . فنظر أبو بكر إلى الكل ، ففزع ورعب ، وقال : يا رسول الله ، لا طاقة لي بالنظر إلى ما رأيته ، فرد علي غطائي ، فمسح على بصره فحجب عما أراه رسول الله .

لكن الأول لم يعتبر هذه معجزة وكرامة لرسول الله صلى الله عليه وآله بل اضمر أمرا آخر يكشفه لنا كتاب سليم بن قيس الهلالي ففي ص 348 في خبر طويل نقتطع منه موضع الشاهد : قال عمر : أنت ثاني اثنين إذ هما في الغار . قال : الآن أيضا ؟ أو لم أحدثك : أن محمدا - ولم يقل رسول الله - قال لي وأنا معه في الغار : ( إني أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر ) . فقلت : أرنيها . فمسح وجهي فنظرت إليها فاستيقنت عند ذلك أنه ساحر  فذكرت لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك على أنه ساحر ؟

وقد شغلت هذه الآية المناظرات بين شيعة آل محمد عليهم السلام وأهل الخلاف ففي البحار للمجلسي ج 10 ص 297 في خبر طويل نقتطع منه موضع الحاجة لمحاورة بين هشام وأحدهم : فقال له رجل من القوم : لم فضلت عليا على أبي بكر ، والله يقول : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) ؟ فقال هشام : فأخبرني عن حزنه في ذلك الوقت أكان لله رضى أم غير رضى ؟ فسكت ، فقال هشام : إن زعمت أنه كان لله رضى فلم نهاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ( لا تحزن ) ؟ أنهاه عن طاعة الله ورضاه ؟ وإن زعمت أنه كان لله غير رضى فلم تفتخر بشئ كان لله غير رضى وقد علمت ما قال الله تبارك وتعالى حين قال : ( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين )  ولأنكم قلتم وقلنا و قالت العامة : الجنة اشتاقت إلى أربعة نفر : إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر ، وأبي ذر الغفاري فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة ، وتخلف عنها صاحبكم ، ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة ...الخ

وفي الإحتجاج للطبرسي ج 2 ص 145 في خبر طويل نقتطع منه موضع الحاجة لمحاورة بين مؤمن الطاق وأحدهم يقول فيها مؤمن الطاق : وأما قولك : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار ) أخبرني هل أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين في غير الغار ؟ قال ابن أبي حذرة : نعم . قال أبو جعفر : فقد خرج صاحبك في الغار من السكينة ، وخصه بالحزن ومكان علي في هذه الليلة على فراش النبي صلى الله عليه وآله ، وبذل مهجته دونه أفضل من مكان صاحبك في الغار . فقال الناس : صدقت

ومن هذه الحادثة ظهر لقب الصديق وهو على استهزاء واستنكار له ففي تفسير القمي ج 1 ص 290 : وقوله ( الا تنصروه فقد نصره الله إذا خرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا ) فإنه حدثني أبي عن بعض رجاله رفعه إلى أبى عبد الله قال لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار قال لفلان كأني انظر إلى سفينة جعفر في أصحابه يقوم في البحر وانظر إلى الأنصار محتسبين في أفنيتهم فقال فلانوتراهم يا رسول الله قال نعم قال فارنيهم فمسح على عينيه فرآهم ( فقال في نفسه الآن صدقت انك ساحر ) فقال له رسول الله أنت الصديق وقوله ( وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا ) . ولنعود الى نقطة البحث الأولى وهي علة ذهاب الأول مع النبي صلى الله عليه وآله ففي رواية في تفسير الامام العسكري عليه السلام أن هذا الأمر كان امتحانا له والقاء للحجة عليه ففي ص 465 : تحت عنوان قصة ليلة المبيت هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لكل أصحابه ، وبها أوصى حين صار إلى الغار . فان الله تعالى قد أوحى إليه : يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : إن أبا جهل والملا من قريش قد دبروا يريدون قتلك ، وآمرك أن تبيت عليا في موضعك ، وقال لك : إن منزلته منزلة إسماعيل الذبيح من إبراهيم الخليل يجعل نفسه لنفسك فداءا ، وروحه لروحك وقاءا ، وآمرك  أن تستصحب أبا بكر ، فإنه إن آنسك وساعدك ووازرك وثبت على ما يعاهدك ويعاقدك ، كان في الجنة منرفقائك ، وفي غرفاتها من خلصائك ..الخ الرواية لكننا نلاحظ أن السقوط في هذا الاختبار كان منذ البدايات كالشك واعتبار الرسول ساحرا والخوف والخ لكن المصيبة أن النواصب دائما ما يستدلون بهذه الآية المباركة الا أن نتائج استدلالهم تكون عارا عليهم وعلى صاحبهم ففي تفسير نور الثقلين للحويزي ج 2 ص 220 : في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى سعد بن عبد الله القمي عن الحجة القائم عليه السلام حديث طويل يقول فيه عليه السلام : يا سعد وحين ادعى خصمك انرسول الله صلى الله عليه وآله ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار الا علما منه ان الخلافة له من بعده ، وانه هو المقلد أمور التأويل ، والملقى إليه أزمة الأمة وعليه المعول في لم الشعث وسد الخلل ، وإقامة الحدود وتسرية الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فلما أشفق على نبوته أشفق على خلافته ، وإذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري ان يرومالهارب من الشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه ، وانما أبات عليا عليه السلام على فراشه لما لم يكترث له ولم يحفل  به لاستثقاله إياه وعلمه انه ان قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها ، فهلا نقضت دعواه بقولك : أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الخلافة بعدي ثلثون سنة ، فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم ، وكان لا يجد بدا من قوله لك : بلى ، قلت له حينئذ : أليس كما علم رسول الله صلى الله عليه وآله ان الخلافة من بعده لأبي بكر علم أنها من بعد أبي بكر لعمر : ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعلي عليه السلام فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك : نعم ، ثم كنت تقول له : فكان الواجب على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم ، وتخصيصه أبا بكر واخراجه مع نفسه دونهم .

ومثل ذلك كثير في دحض استدلالهم بهذه الآية هذا وصلى الله على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ونسألكم الدعاء

خادمكم

أحمد مصطفى يعقوب

الكويت في 5 يوليو 2015

0 التعليقات:

إرسال تعليق